عدنا من الميدان، أمبارح بالليل طبعا، لكن أكلت وأخدت لي تعسيلة.
أمبارح كان اليوم باين من أوله بصراحة.
***
أول من تحدثت معه في الشارع، هو عامل بسيط، ملخص موقفه: إنه يتمنى لو كان يملك "بلدوزر"، لكي يقوم بسحق كل المتواجدين في ميدان التحرير.
وتحدث عن مجلس الشعب الذي يجب أن نعطيه الفرصة، وكأن النزول إلى الميدان سيؤدي إلى حرب أهلية ووقف عجلة الإنتاج، وكأن مجلس الشعب جاء بدون الثورة وضغط الميدان.
لم أكترث له كثيرا، فقد مللت هذا الصنف، الذي يتحدث وكأن الثورة صادرت أملاك أبيه، وأوقفت مصانع أسرته الكريمة، وهو أولى الناس بالثورة حيث أنه يصارع للحصول على قوت يومه.
تسلمني بعدها سائق سيارة أجرة، كانت فترة تجنيده في أمن الدولة.
وبالطبع يرى أن المجلس العسكري لا يعلم شيئا، ولا علاقة له بأي شيء.
ورؤيته لدور المجلس العسكري، لا تتخطي الأيام الأولى من الثورة. وكأنه لم يرى أو يسمع أي شيء بعدها.
وأخذ ينصحني بأهمية أن نجعل أمن الدولة في صفنا، ليحمينا من الفتن الخارجية، والفتن الداخلية، والفتن الطائفية.
ويرى أنه يجب أن نعيد إلى العمل من تم فصلهم أو نقلهم من ضباط أمن الدولة، لأنهم يعلمون كل صغيرة وكبيرة في البلد.
وكيف أننا سنضمن أنهم سيصبحون أبناء حلال، عن طريق الإشراف القضائي على أمن الدولة!
ولا أعلم لماذا كان يحدثني قائلا: أنتم أخطأتم، أنتم أخطأتم.
وإن كان من ينتمون إلى الميدان ليسوا على نفس جبهته.
فلماذا لم يأت ليخبرهم بما ينبغي فعله كخبير استراتيجي؟
المهم أنها من المرات القليلة في حياتي التي لم أجد أي رغبة في التحاور.
وصلت الميدان، وكانت الأعداد كبيرة، خصوصا في منتصف الميدان وحول المنصات. بعد قليل بدأت تنضم المسيرات عبر كوبري قصر النيل.
بعض الشباب كان يهتف: "ماسبيرو، ماسبيرو"، في محاولة لضم أكبر عدد من الثوار والتوجه إلى ماسبيرو.
لا أعلم لماذا كنت أشعر بالضيق على عكس كل مرات تواجدي بالميدان؟
ربما لكثرة تحدثي إلى حزب الكنبة والفلول في بداية اليوم.
وهنا ننصح بعدم تناول الفلول والكنبة قبل الميدان.
بعدها مررت بخيمة ثوار سوريا، وكانوا يلتفون على شكل دائرة يهتفون ويغنون للوطن والحرية.
شعرت بالحزن من أجلهم. حقا من يرى بلاوي الناس، يهون عليه مجلسه.
أظرف ما في هذه اللقطة، أن بعض المصريين كانوا ينضمون لهذه الدائرة، ويكررون نفس الحركات مع الشباب السوري.
ويمكنك بكل سهولة أن تستخرج المواطن المصري الأصيل. أقصد بالطبع أن أهل سوريا لا يمتازون بالجمال. اللهم لك الحمد على ما قسمته لنا. :)
قبل صلاة المغرب بقليل، ظهرت بادرة شقاق في الميدان، لا تفهم لها سببا.
بعض الجموع تهتف بسقوط حكم العسكر بكل قوة، ويرفضون ما تذيعه منصة الإخوان من أغاني وطنية والنشيد الوطني.
وكلما تحدث أحد الإخوان أو ضيف على المنصة، ظل هؤلاء الشباب في الهتاف ضدهم، والقليل منهم كانوا يرفعون الأحذية، يمكن أن تعدهم على يد واحدة.
ذلك لأنهم يرفضون فكرة أن هذا اليوم احتفالا بالثورة.
فعندما تزداد الهتافات الرافضة، كان الرد من الإخوان يأتي بأنهم يشغلون القرآن، أو الأغاني الوطنية. وأجهزة الصوت على منصتهم كانت كفيلة بإخفاء أصوات الآخرين.
لم يكن موقف هؤلاء الشباب هو موقف كل الميدان، ولكن عددهم لم يكن قليلا.
قمت بالدوران حول المنصة، لتأدية الصلاة. والبحث عن بعض أصدقاء الميدان في منطقة مسجد عمر مكرم.
عندها وجدت اشتباكات كلامية حادة بين أفراد من الشباب، يتكلمون بشكل حماسي، لكني شخصيا لم أتعاطف معهم.
خصوصا مع السباب والشتائم - شتائم بالأم - للطرف الآخر والذي كان معظمه من الإخوان.
وتجد الشاب من هؤلاء يحيط به البعض في محاولة لتهدئته، وهو لا يتوقف.
وأخذ أحدهم يهدد الإخوان بأنهم - أي الشباب - سيحملون السلاح ضدهم، خاتما عبارته ب "يا ولاد ال..."
وأن الشباب سيسحلون الإخوان في الشوارع..."يا ولاد ال..."
لم أشعر أن هؤلاء من الأشكال التي أعتدت رؤيتها، ليسوا بلطجية وتلك الأشكال العجيبة. لكن لم أتمكن من ابتلاع طريقتهم.
فقد رأيت الكثير من شباب الميدان، عندما يتناقشون مع الرافضين لموقفهم. وكان شباب الميدان في معظم الوقت يتحدثون بكل أدب واحترام، حتى ولو انفعلوا.
صليت المغرب، ووجدت أحد الشباب. في جدال مع أعداد كبيرة من الإخوان. ويكرر نفس الكلام عن بيع الثورة، وعن الصفقة، ودم الشهداء.
وكان الإخوان إذا غضب أو انفعل من يدير دفة النقاش من طرفهم، يسحبونه لكي لا يحدث تصعيد، ثم يستكمل غيره النقاش.
فإذا استمر النقاش عقيما. كانوا يتناصحون بينهم بوقف النقاش، لأنه لا طائل منه.
رؤيتي الشخصية، أن الأمر يتكرر بنفس الأسلوب ونفس الوتيرة، بشكل لم أفهمه.
خلف المنصة، وجدت عدة صفوف متلاحمة، تقف لحماية المنصة من أي هجوم عليها.
الزحام يتمركز في منتصف الميدان، والشوارع أقل زحاما.
درت حول الصينية، حتى أصبحت عند منصة أخرى يقودها بعض الشباب، وكانت أكثر حماسا لفكرة الثورة، وكانوا يهتفون: "دي ثورة، مش حفلة".
وكان أحد الشباب يحكي قصة رحلته إلى وزارة الدفاع، ولا أعلم أكانت قصة قديمة، أم يتحدث عن نفس اليوم.
حزنت لفكرة تشتت القوى، في وقت نريد فيه التركيز على طرد العسكر من المشهد، ولا يوجد أي مستفيد غير العسكر من هذا السيناريو الغريب.
المشرق في القصة، أن الشعب أثبت أنه لم يتواجد يوم 25 من أجل الكوبونات، التي ضربها المجلس في جيبه.
كذلك مصر لا تخلو من الطرائف، فبينما الناس يختلفون مع بعضهم في الرؤى.
كان بائع الذرة يهتف: "يسقط، يسقط، من لا يشتري الذرة"
********
عدنان القماش
27 يناير 2012
http://resignedcitizen.blogspot.com/